المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ذكر بيان صادر عن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أعرب عن رضاه عن القرار الذي أصدرته المحكمة الإسرائيلية العليا يوم 11 آب الجاري حول قانون منع التسلل إلى إسرائيل.

وأضاف البيان أن نتنياهو أكد أن هذا القرار ينطوي على قبول المحكمة العليا مبدئياً موقف الدولة الذي يصرّ على أنه لا يمكن التسامح مع ظاهرة المتسللين غير الشرعيين الذين يأتون إلى إسرائيل بحثاً عن فرص العمل، حيث صادقت هذه المحكمة على اعتقال المتسللين من أجل تحقيق الردع المطلوب. كما أشار إلى أن الحكومة سوف تدرس قرار المحكمة وستعمل على تطبيقه.

وتشكل الحملة المسعورة على اللاجئين الأفارقة في إسرائيل منذ عدة أعوام مطيّة يحاول نتنياهو من خلالها إيهام الرأي العام بأنه لدى الانتهاء من طرد هؤلاء اللاجئين عن بكرة أبيهم، وكبح وصول مزيد منهم وأساسًا بواسطة الجدار الأمني على طول منطقة الحدود بين إسرائيل، من المتوقع أن تصبح الدولة نظيفة من الجرائم والأمراض والضائقة الاقتصادية - الاجتماعية. غير أن هذه الحملة كشفت في العمق عن النزعات العنصرية المعششة في أوساط المجتمع الإسرائيلي بأطيافه كافة، وشفّت عن الاستحواذ الديمغرافي المقترن بغاية الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة.

وتقدّم تقارير تصدر تباعاً عن "مركز مساعدة العمال الأجانب" في إسرائيل رصدًا لمظاهر التحريض العنصري وجرائم الكراهية والتمييز ضد طالبي اللجوء الأفارقة، وتشمل قوى سياسية كثيرة ولا سيما من اليمين والوسط، وعددًا من وسائل الإعلام والصحافيين، وأوساطًا من الجهاز القضائي ورؤساء الحكم المحلي، ومجموعة من الحاخامين ورجال الدين اليهود، فضلاً عن جهات متعددة من الرأي العام اليهودي. وهؤلاء جميعًا يتعاونون فيما بينهم، ويتعاملون مع اللاجئين من إفريقيا كما لو أنهم حيوانات، لمجرّد كونهم "غير يهود" (غوييم).

وترى التقارير أن إسرائيل بزّت قريناتها من الدول الغربية، التي يحلـو لها أن تتشبّه بها صباح مساء، في كل ما يتعلق بالتعامل مع اللاجئين الباحثين عن عمل. فبينما تطرد هذه الدول (من دون أن تنجح دائما في ذلك) أفارقة تم رفض طلبهم الحصول على ملجأ فيها، فقط بعد إجراء قانوني شفاف، يكون في بعضها مصحوبًا بمساعدة قانونية تموّلها الدولة المضيفة، فإن إسرائيل تقوم بطرد المتسللين الأفارقة من دون أن تفحص نهائيا طلبات لجوئهم، بما يتناقض مع نصوص معاهدة اللاجئين الدولية الموقعة عليها، ولو تم ذلك، وفقما تؤكد التقارير، من خلال نظام لجوء نزيه وليس كالموجود في إسرائيل، لكانت أغلبية طلباتهم ستقبل على الأرجح.
وعلى الرغم من أن عدد هؤلاء اللاجئين في إسرائيل يعتبر قليلاً جدا مقارنة بعددهم في سائر أنحاء العالم، إلاّ إن تعامل السلطات الإسرائيلية المسؤولة معهم يبدو مختلفًا تمامًا عن تعامل السلطات المسؤولة في العالم الغربي، والذي يعتبر أفضل كثيرا.

وما يجب ملاحظته هو أن إسرائيل ربما هي الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض أن تمنح مكانة لاجئ لأي كان، كما أنها غير مستعدة على الإطلاق لتحديد أي سقف يتعلق بعدد اللاجئين الذين يمكنهم العيش فيها. فضلاً عن ذلك فإن إسرائيل غير مستعدة لأن تتعاون مع أي جهة من أجل حل مشكلة هؤلاء اللاجئين، وكل ما تقترحه على دولهم الأصلية هو أن تعيد اللاجئين إليها فقط.

وإزاء ذلك تشدّد التقارير على أن المطلوب من إسرائيل في الوقت الحالي هو أن تحدّد سياسة هجرة إليها تكون ذات صلة بالواقع السياسي في العالم لا بالتخوفات المبالغ فيها، وأن تكف فورا عن سياسة طرد اللاجئين الأفارقة بحجة أن طردهم سينقذها من خطر داهم يتهددها.

كنا يُشار إلى أن اللغة التي يستخدمها صنّاع القرار في إسرائيل، لدى الحديث عن هؤلاء اللاجئين، تنزع عنهم إنسانيتهم وتصورهم كتهديد. فهؤلاء الناس الذين لاذوا بالفرار من الإبادة الجماعية في دارفور (السودان)، أو من الخدمة العسكرية في ظروف أشبه بالعبودية في إريتريا، يوصفون بأنهم "غزاة" و"أعداء" و"سرطان" و"قنبلة موقوتة" و"تهديد وجودي".

ويتسلح التحريض عليهم، الذي يؤججه المسؤولون ووسائل الإعلام وأوساط عديدة أخرى، بخمسة إدعاءات مركزية، الإدعاء الرئيس بينها هو أنهم ليسوا لاجئين، ومن ثم ترد باقي الادعاءات وفحواها أنهم مجرمون، ومصدر لنشر الأوبئة والأمراض، وتهديد ديمغرافي، وتهديد أمني.

وفيما يتعلق بموقف الشارع في إسرائيل، بيّنت استطلاعات رأي عام أن 83 بالمئة من اليهود الإسرائيليين يؤيدون التظاهرات التي قام بها سكان منطقة جنوب تل أبيب احتجاجا على وجود أعداد غفيرة من اللاجئين الأفارقة في تلك المنطقة. وقال نحو 34 بالمئة من اليهود الإسرائيليين إنهم يتعاطفون مع أعمال العنف المرتكبة ضد هؤلاء اللاجئين. وأكد نحو 70 بالمئة منهم أن وجود لاجئين أفارقة وعمال فلسطينيين في إسرائيل يضايقهم جدا، بينما قال نحو 60 بالمئة منهم إنهم لا يتضايقون من وجود عمال أجانب من أميركا اللاتينية وشرق أوروبا وتايلاند والفيليبين.

ولا يفوت التقارير أن تنوّه إلى أن استعمال مصطلح "متسللين"، الذي كان قد استخدم في خمسينيات القرن العشرين الفائت لتوصيف الفدائيين الفلسطينيين الذين "تسللوا" لتنفيذ عمليات مسلحة داخل إسرائيل، وخلعه على هؤلاء اللاجئين يسمهم بطابع التهديد الأمني للدولة.

كذلك يستخدم أعضاء كنيست وأوساط أخرى تقود الرأي العام مصطلح "غزاة" في وصف اللاجئين وبشكل يصورهم أيضا كتهديد أمني.

وثمة مصطلح آخر يستخدمه متخذو القرارات ووسائل الإعلام في إسرائيل في وصف هؤلاء اللاجئين وهو "ماكثون غير قانونيين"، والذي يرتبط أيضا بالدخول والتسلل غير القانوني من جانب فلسطينيين إلى إسرائيل. وكان وزير الداخلية الإسرائيلية السابق إيلي يشاي (رئيس حزب شاس سابقاً) صرّح في العام 2012 بأن المتسللين الأفارقـة والفلسطينيين "سيؤدون بسرعة إلى نهاية الحلم الصهيوني"، وبأنه "منذ خراب الهيكل الثاني لم تواجه إسرائيل خطرا داهما كهذا. فلقد أقمنا الدولة، وها نحن الآن نفقدها في كل يوم".

وتقترن الحملة الإسرائيلية على اللاجئين الأفارقـة بسيل لا ينقطع من الافتراءات.

ومن هذه الافتراءات أن عدد اللاجئين أكبر كثيرًا من المعطيات التي يتم نشرهـا رسميًا في هذا الشأن، وأن هؤلاء اللاجئين هم مجموعة خطرة غزت دولة إسرائيل وتهدد بتخريب المشروع الصهيوني، وأن احتمالات تعاونها مع عناصر "إرهابية" كبيرة للغاية، ولذا فإنها تشكل "قنبلة موقوتة" لا بُد من أن تنفجر في قادم الأيام.

أمّا الافتـراء الأبرز، والذي يتم اللجوء إليه لتغذيـة مخاوف الجمهور العريض، فهو أن اللاجئين هم مسلمون في معظمهم.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات