المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات هو القاعدة وليس الاستثناء وهذا ما يسري على غالبيّة المتّهمين الفلسطينيّين في المحاكم العسكريّة في الضفة الغربية، باستثناء المتهمين بمخالفات السير. هذا ما يتبدّى من خلال تقرير جديد لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، بعنوان "معتقل حتى نفي براءته: الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات في المحاكم العسكريّة بالضفة الغربيّة"، الذي صدر أمس الاثنين.

وقال التقرير إن هذا الوضع هو السبب الأساسي من وراء انتهاء غالبيّة الإجراءات في المحاكم العسكريّة بصفقات ادّعاء، ومن وراء نسب الإدانات الهائلة في هذه المحاكم.
يمثل أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية في كل عام آلاف الفلسطينيّين بجنح مختلفة منها الدّخول إلى إسرائيل من دون تصريح ورشق الحجارة والعضوية في "تنظيمات محظورة" ومخالفات حيازة سلاح وعنف ومخالفات سير. وتسري صلاحية القضاء الخاصّة بهذه المحاكم على كل سكّان الضفة الغربية بمن فيهم أولئك الذين يسكنون في المناطق التي نُقلت بعض الصلاحيّات فيها إلى السلطة الفلسطينية.

وتشير إجراءات الاعتقال السارية في هذه المحاكم إلى الغُبن الساري فيها. ويشكّل الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات اعتقالا لشخص انتهى التحقيق معه وقُدمت ضده لائحة اتهام إذ يستمر حتى انتهاء الإجراءات القضائيّة برمتها. ولا يدور الحديث هنا عن قضاء فترة المحكومية، بل عن اعتقال شخص ما لم تُحدد عقوبته بعد ومن المفترض أن يُنظر إليه كبريء إلى حين إدانته.
وأكد التقرير على أن وحدة المحاكم العسكرية لا تنشر معطيات تتعلّق بعدد الطلبات المقدمة للاعتقال حتى انتهاء الإجراءات والتي يقدمها الادعاء العسكري، وعدد الطلبات التي تصادق عليها المحاكم، بادعاء أن هذا الإجراء غير محوسب. مع ذلك يتضح من خلال معطيات جزئية حصلت عليها بتسيلم أنه وباستثناء المتهمين بمخالفات سير، فإن الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات هو القاعدة وليس الاستثناء: فالنيابة العسكرية تطالب بمثل هذا الاعتقال كأمر روتيني لتقوم المحاكم بالمصادقة على الغالبية الساحقة من الحالات.

وأشارت المنظمة إلى أن القضاة العسكريون يستندون ظاهريا على الشروط الثلاثة الواردة في القانون الإسرائيلي، التي تسمح للقاضي بالمصادقة على الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات، وهذه الشروط هي وجود "بينة ظاهرية" لإثبات التهمة؛ توفّر أحد أسباب الاعتقال الواردة في القانون؛ وغياب بديل اعتقال ذي صلة. إلّا أن التفسيرات التي يسوقها القضاة في المحاكم العسكرية لهذه الشروط تُفرغها من أي مضمون وتبطل جوهرها كقيود هامة في إجراء المصادقة على الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات:

- إن سقف البينات المطلوب من أجل تلبية شرط "بينات ظاهرية" مُتدن جدا لدرجة أن الادعاء يستوفيه من دون أي صعوبة. وتقبل المحاكم العسكرية بالاعتراف أو بالتجريم المنفرد مهما كانا هزيليْن كشروط كافية من أجل استيفاء السقف المتدنّي أصلاً. ويتجاهل القضاة شكاوى المعتقلين –القاصرين والبالغين- بخصوص التنكيل أثناء التحقيق، ويقضون بإمكانية النظر فيها ضمن الإجراء الأساسي فقط.
- جرى استبدال مطلب "سبب الاعتقال" بسلسلة من القرائن التي تعفي الادعاء من واجب عرض بيّنات تُبرّر اعتقال المتّهم العيني الذي تنظر المحكمة في شأنه. وهكذا قرر القضاة أن مقتضى الخطورة قائم في غالبية المخالفات التي يُحاكم عليها الفلسطينيون. وفي المقابل فقد قضوا بوجود مقتضى الفرار من العدالة في الغالبية الساحقة من الحالات نتيجة لمكان سكن المتهمين.

- قضت المحاكم العسكرية بأنه لا يمكن للمتهمين في غالبية أنواع المخالفات استبدال الاعتقال ببدائل أخرى. وحتى في الحالات القليلة التي يبدي فيها القضاة استعدادًا لإخلاء سبيل المتّهمين، فإنّ الأمر يكون مشروطًا بإيداع مبالغ باهظة تصل إلى آلاف الشواقل.

ولفت التقرير إلى أنه تتجلّى إحدى محصّلات هذه السياسة في أن الغالبية الساحقة من الملفات في المحاكم العسكرية تنتهي بصفقات ادعاء. ويأتي هذا لأن المتهمين يعرفون أنه في حال إجراء مداولات للأدلة والبينات وهم في السجن فإنهم قد يقبعون في السجن لفترة أطول من الفترة التي قد يُحكمون بها ضمن صفقة ادعاء، حتى لو انتهت المحاكمة بتبرئهتم. ومن آثار هذه الحالة أن الادعاء لا يكاد يُطالب بإدارة مداولات أدلة وبينات، تكون ملزمة في إطارها بعرض البيّنات لإثبات إدانة ذلك الشخص. وفي أحيان متقاربة، يكون قرار الاعتقال مشابها للإدانة، إذ أن مصير الملف يُحسم لحظة اعتقال المتّهم حتى انتهاء الإجراءات، وليس على أساس البيّنات القائمة ضده. هكذا يتأكد أن القرار السابق للمحاكمة هو اعتقال شخص لم يُدَنْ بعد حتى انتهاء الإجراءات كأمر روتيني، يُفرغ الإجراء القضائيّ من مضامينه.

وعند النظر في طلبات تمديد الاعتقال حتى الانتهاء من الإجراءات تستند المحاكم العسكريّة إلى القانون الإسرائيلي وإلى الأحكام التي تقرّرت في المحاكم الإسرائيلية التي تعمل داخل حدود الخط الأخضر. إلّا أن هاتين المنظومتيْن القضائيتيْن – تلك التي تعمل داخل الخط الأخضر وتلك التي تعمل في الضفة الغربيّة- مختلفتان جوهريًّا. فهما تستندان إلى قيم مختلفة ومن وظائفهما الدفاع عن مصالح مختلفة.

وخلافًا لجهاز القضاء الإسرائيلي فإن المحاكم العسكريّة لا تعكس مصالح المجتمع الذي يأتي منه المتّهمون بل تعكس مصالح سلطة الاحتلال، الذي يقترب من عامه الخمسين. والقضاة والمُدّعون هم إسرائيليون دائمًا، جنود ببزاتهم العسكرية، يطبّقون القانون العسكري على السكان الفلسطينيين المدنيين الذين يعيشون تحت حُكم عسكريّ. فمن جهة هناك أناس يشكلون جزءًا من إدارة الاحتلال، ومن الجهة الثانية هناك أولئك الذين يخضعون لسيطرة هذا الحكم. المحاكم العسكريّة ليست محكّمًا حياديًّا وإنما هي موجودة وبشكل مطلق في أحد قطبيّ المعادلة غير المتكافئة.

وهكذا فإنّ استناد المحاكم العسكرية في الضفة ظاهريا على القانون والأحكام الإسرائيلية كما تقررت في الطرف الثاني للخطّ الأخضر، قد تكون هامّة على المستوى التصريحيّ: فاستخدام لغة مأخوذة من عالم القضاء الإسرائيلي يؤدي ظاهريا إلى تمويه الفوارق الجوهرية القائمة بين منظومة القضاء الإسرائيلية داخل حدود إسرائيل السيادية وبين منظومة القضاء العسكريّة الفاعلة في الضفة الغربية. وعليه فإنّ الإسهام الأساسيّ لهذه اللغة لصالح منظومة القضاء العسكري لا يمكن في توفير حماية أكبر لحقوق المتهمين أو بإحقاق العدالة، بل وبالأساس في تبييض صورة الجهاز القضائي العسكري.

المصطلحات المستخدمة:

بتسيلم, الخط الأخضر

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات