المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

انهيار حزب "كديما" يؤكد مصير "أحزاب الفقاعة" مهما يكبر حجمها حزب "الحركة" بزعامة ليفني أفلت من الزوال بتحالفه مع حزب "العمل"

أكدت قراءة نتائج الانتخابات الإسرائيلية العامة في منتصف شهر آذار الماضي أن قاعدة ظهور واختفاء "أحزاب الفقاعة" ما تزال قائمة، وهي صحيحة رغم الحالة الاستثنائية المسماة "حزب يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي سجل أطول "عمر" له في الساحة السياسية.

فقد رأينا أن 26 شهرا بين جولتي انتخابات كانت كافية لأن يخسر حزب "يوجد مستقبل" 40% من قوته، في حين أن حزب "كلنا" بزعامة موشيه كحلون يحمل هو أيضا المؤشرات ذاتها، خاصة وأنه اقتنص حصة الأسد من الأصوات التي خسرها "يوجد مستقبل"، وهي أصوات ليست ثابتة لأي من الأحزاب- أي "أصوات عائمة".

في هذه الانتخابات شهدنا خمسة أحزاب من أحزاب الفقاعة. رأينا حزب "كديما" الذي أقامه أريئيل شارون، منشقا عن حزب "الليكود" في خريف العام 2005، وقاد الحكم في انتخابات 2006. وفي انتخابات 2015 اختفى كليا عن الساحة بعد أن لم يخض الانتخابات، ليزول كليا عن الخارطة السياسية. وسبق ذلك الضربة القاصمة التي تلقاها في انتخابات 2013، حينما هبط من 28 مقعدا إلى مقعدين فقط، وارتكز الحزب يومها على قاعدة انتخابية متحركة ليست ثابتة.

والحزب الثاني هو "الحركة" الذي أقامته الوزيرة السابقة تسيبي ليفني في خريف العام 2012، بانشقاقها عن حزب "كديما" الذي شاركت في إقامته، وحصلت في انتخابات 2013 على 6 مقاعد، وما نسبته 5% من الأصوات. ولكن كان واضحا أن ليفني استفادت يومها من قاعدتها الشعبية التي تراجعت لاحقا، وأيضا من بقايا قواعد حزب "كديما" المنهار.

إلا أن ليفني لم تتجرأ على خوض الانتخابات الأخيرة بمفردها، بسبب رفع نسبة الحسم إلى 25ر3%، فأقامت تحالفا ناجحا مع حزب "العمل": "المعسكر الصهيوني"، وهو تحالف أثبت نجاحا، ولكن ليس مضمونا استمراريته، لأنه حتى لو استمر إلى نهاية الولاية البرلمانية، فستكون ليفني أمام مساءلة حزب "العمل": أين هو حزبك وهيئاته. وأثبتت ليفني في التحضيرات للانتخابات البرلمانية أنها لا تختلف عن باقي أحزاب الفقاعة القائمة على أساس شخصية واحدة، فهي من تقرر وتحسم بشأن المرشحين ومراتبهم، ولاحقا وظائفهم.

أما الأحزاب الثلاثة الأخرى، التي بقيت مستقلة في الكنيست فهي:

"يوجد مستقبل": كما ورد في مقال سابق هنا فإنه مع صدور النتائج شبه النهائية فجر اليوم التالي للانتخابات البرلمانية احتفل زعيم حزب "يوجد مستقبل"، يائير لبيد، كما لو أنه فاز بالحكم، رغم خسارته 8 مقاعد من أصل 19 مقعدا كانت له في انتخابات 2013. وبرر لبيد احتفاله هذا بأن استطلاعات الرأي التي ظهرت فور قرار الكنيست التوجه إلى انتخابات، أي قبل ما يزيد عن ثلاثة أشهر من يوم الانتخابات، دلت على حصوله على ما بين 7 إلى 9 مقاعد، ما يعني أن خسارته كان من المفروض أن تكون أكبر وأنه نجح في لجم الخسارة.

ونذكر أن لبيد خاض انتخابات مطلع العام 2013 على مركب القضايا الاجتماعية للشرائح الوسطى، لكن سرعان ما انقلب عليها، فور توليه حقيبة المالية في حكومة بنيامين نتنياهو. كما انقلب حتى على المواقف السياسية الهشة، التي أعلنها خلال حملته الانتخابية، بدعمه للمفاوضات مع الجانب الفلسطيني والحل ليتبين للناخب أنه يعمل بتنسيق تام مع زعيم حزب المستوطنين نفتالي بينيت.

وهاجس فرقعة الحزب كليا وزواله لا يمكن أن يغيب عن يائير لبيد، لأن في مخيلته تجربة والده يوسيف لبيد، الذي أعاد في العام 1999 تشكيل حزب "شينوي" (التغيير) وحصل على 6 مقاعد، وفي الانتخابات التالية، مطلع العام 2003، تضخم إلى 15 مقعدا، لتختفي كلها عن الوجود في انتخابات 2006. ويسير لبيد الابن على درب لبيد الأب، خاصة في شيطنة مجتمع المتدينين المتزمتين "الحريديم"، والقاء كل متاعب السياسة الاقتصادية عليهم، وكل هذا بهدف تبرير انتهاج سياسة اقتصادية صقرية، كتلك التي يتمسك بها نتنياهو، وهي سياسة تضرب حتى الشرائح الوسطى، وليس فقط الشرائح الفقيرة والضعيفة.

بعد قليل سيمر على انشاء "يوجد مستقبل" ثلاث سنوات. ولكن في كل هذه الفترة لا توجد هيئات ملموسة، ولا قواعد ثابتة، بل إن الحزب قائم على شخص لبيد، المدعوم من خلف الكواليس من بعض حيتان المال، وكبار الأثرياء. فمثلا كان لبيد وحده هو المقرر في تشكيل القائمة، ودائرة مشاوراته من خارج الحزب. وهذا نمط لا يضمن استمرار الحزب مستقبلا.

مشكلة "يوجد مستقبل" البادية حتى الآن أنه مرشح للجلوس في الولاية البرلمانية الحالية في مقاعد المعارضة، ما يعني أنه لن يكون قادرا على تسديد "فواتير خدماتية" لداعميه، والقصد تمرير اجراءات ادارية واقتصادية تخدم مصالحهم، ما سيبعده أكثر عن الأضواء ويقلل من جدوى الانتخاب له في الانتخابات القادمة.

وسبب بقاء لبيد في مقاعد المعارضة هو رفض المتدينين المتزمتين "الحريديم" ضمه إلى الحكومة، بسبب عدائه المعلن لهم، وهذا ما انعكس أيضا في قرارات اقتصادية اتخذها، اضافة إلى قانون فرض التجنيد الالزامي على شبان "الحريديم" الذي سيجري تفريغه من مضمونه في الدورة الجديدة، حسب ما رشح عن المفاوضات بين حزب "الليكود" وكتلتي الحريديم.
واعتمادا على أن لبيد يحتاج لتواجده في دائرة اتخاذ القرار، فإنه قد يبدي لحكومة نتنياهو "سلوكا حسنا" في الفترة المقبلة، بمعنى أن يتواطأ مع الحكومة في قرارات ومشاريع قوانين، مخالفا لموقف المعارضة، على أمل إما أن يغير الحريديم موقفهم ويضمونه إلى الحكومة وحينها ستنشأ إشكالية توزيع الحقائب، وإما أن ينشأ وضع في حكومة نتنياهو يؤدي إلى خروج "الحريديم" منها أو على الأقل واحدة من الكتلتين، خاصة "يهدوت هتوراة" ليكون لبيد وحزبه أول المرشحين للانضمام إلى الحكومة، التي يحتاجها كاحتياج السمك لماء البحر كي يبقى على قيد الحياة.

"كلنا": حزب "كلنا" هو الحزب "الفقاعة" الأحدث في هذه الانتخابات، وأنشأه المنشق عن حزب الليكود موشيه كحلون، وهو انشق بمفرده، ولم يجرف معه قواعد أو حتى أسماء بارزة في الحزب. وفي مراجعة لشكل التصويت في المدن الكبرى، ومقارنتها بنتائج التصويت في انتخابات مطلع 2013، سنرى معادلة ملفتة للنظر، وهي أن الحصة الأكبر من الأصوات التي كانت لحزب "يوجد مستقبل" في كل واحدة من تلك المدن، اتجهت لحزب "كلنا"، ثم لقائمة "المعسكر الصهيوني".

وبطبيعة الحال، فإن حزب "كلنا" كان له نصيب من الأصوات التي خسرتها حركة "شاس" في الأحياء والبلدات ذات الأغلبية من اليهود الشرقيين، وبالذات من الأحياء والبلدات ذات المستوى المعيشي المتدني.

ونستطيع الاستنتاج منذ الآن أن جمهور مصوتي حزب "كلنا" كان أساسا من الأصوات العائمة، غير الثابتة في تصويتها للأحزاب في كل واحدة من الجولات الانتخابية، وتقدر النسبة بما بين 25% إلى 30% من إجمالي جمهور المصوتين.

ومن الواضح أن "كلنا" يخضع حاليا لأول امتحان في التطبيق، ليظهر إلى أي مدى ممكن أن يبقى على الساحة السياسية.

"يسرائيل بيتينو": حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة مؤسسه والمقرر الوحيد فيه، أفيغدور ليبرمان، هو الحالة الاستثنائية في ظاهرة أحزاب "الفقاعة"، فهو باق على الساحة منذ العام 1999، ولكن في نظرة أبعد لشكل خوض الانتخابات، نجد أن صاحب هذا الحزب ينجح حتى الآن في القفز على الألواح العائمة، في كل واحدة من الانتخابات السابقة. ولكن ليس هذا وحده بل إن نهج ليبرمان وكل ما أحيط به من قضايا فساد، والقضية الأكبر القائمة اليوم، اضافة إلى قفزاته في استطلاعات الرأي، تؤكد أن بقاءه على الساحة ليس كحزب مُمأسس، وإنما حزب انتهاز الفرص.

فقد خاض ليبرمان الانتخابات بحزبه في العام 1999، مستندا إلى جمهور المهاجرين الروس الجدد، وحصل على 4 مقاعد. ولكنه خاض انتخابات 2003، ضمن تحالف المستوطنين، ولم يحقق التحالف سوى 7 مقاعد. وفي انتخابات 2006، نجح ليبرمان في تحقيق قفزة كبيرة له، مستندة إلى أجندة عنصرية أقسى، وأيضا إلى أجندة مناهضة لجمهور "الحريديم"، فحقق 11 مقعدا، ورفع العدد في العام 2009 إلى 15 مقعدا.

لكن في انتخابات 2013، شعر ليبرمان بهزة قد تضربه على ضوء المعلومات التي وصلت له حول اتساع التحقيقات ضده وخروجها لاحقا إلى الملأ، فلجأ إلى تحالف انتخابي مع حزب "الليكود"، باتفاق مع بنيامين نتنياهو، الذي يطمح دائما لضمان الكتلة البرلمانية الأكبر. ولكن هذا التحالف تلقى ضربة كبيرة جدا، بهبوطه من 42 مقعدا كانت للحزبين في انتخابات 2009، إلى 31 مقعدا في 2013، وحينها لم يكن واضحا أي حزب أضر بالثاني، ولكن نتائج انتخابات 2015، بيّنت أن ليبرمان كان سيخسر نسبة مقاعد أكبر، لو خاض انتخابات 2013 بمفرده.

لقد تأثر ليبرمان في الانتخابات الأخيرة بقضية الفساد الكبرى والمتشعبة، التي طالت شخصيات كثيرة تدور في فلك حزبه، وأبرزهم من كانت نائبة وزير الداخلية فانيا كيرشنباوم، أكثر المقربين إلى ليبرمان في الحزب، وأسند لها مهمة ادارية في حزبه. ورغم ذلك، فإن ليبرمان حقق في هذه الانتخابات أعلى مما توقعت له آخر استطلاعات الرأي، فقد حصل على 6 مقاعد، بدلا من 4 إلى 5 مقاعد في استطلاعات الرأي. والتفسير الأكبر لهذه النتيجة، هو أن ليبرمان ما زال يعتمد على "مقاولي أصوات" في أحياء المهاجرين الجدد، الذين يستطيعون ضمان كم ضخم من الأصوات، مقابل المال والوعود، ومثل هذا الجمهور لا تستطيع استطلاعات الرأي قراءته، وهذه ظاهرة منتشرة.

ظاهرة مستمرة

في هذه الانتخابات حصلت "أحزاب الفقاعة" على ما مجموعه 27 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وهذا يسجل ذروة، والقصد "يوجد مستقبل"- 11 مقعدا، و"كلنا"- 10 مقاعد، و"يسرائيل بيتينو"- 6 مقاعد. وفي انتخابات 2013، تسجلت ذروة جديدة، حينما حصل "يوجد مستقبل" على 19 مقعدا، ولكن لم يكن بالإمكان تقدير حجم "يسرائيل بيتينو" لأنه كان ضمن "الليكود" وكانت حصته 11 مقعدا، ولكن هذا ليس بالضرورة حجمه الصحيح في ذلك العام.

وهذه الظاهرة تلعب دورا رئيسا في حالة عدم استقرار الحكومات في العقدين الأخيرين، وهي بطبيعة الحال نتيجة لسلسلة من العوامل، من بينها عدم الثقة بالأحزاب التقليدية التي تحكم في إسرائيل، أو التي تدور في فلك الحكم، ولكن من جهة أخرى هناك مكان للالتفات إلى التقارير الكثيرة التي تتحدث عن دعم كبار حيتان المال ومستثمرين كبار لكل واحد من هذه الأحزاب وفي كل جولة انتخابية. فأولئك معنيون بحلقات أضعف من الأحزاب التاريخية الممأسسة، التي بحاجة إلى دعم مالي، ما يجعل ولاءها أكبر لداعميها. وبطبيعة الحال، فإن مسألة الدعم المالي منتشرة أيضا عند الأحزاب التقليدية، والحزبين الأكبرين.

في أوج الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات 2013، جرى الحديث عن أن كحلون، الذي أعلن عن عدم خوضه الانتخابات، سيعود إلى الحلبة السياسية على رأس حزب يقيمه. وبقي هذا الاسم يدور في فلك الحلبة السياسية، طيلة الفترة الممتدة بين جولتي الانتخابات. وحتى الآن لا تلوح في الأفق أسماء جديدة مرشحة لإقامة أحزاب فقاعة، ولكن اعتمادا على تجارب السنوات السابقة، فإن مثل هذه الظاهرة ستستمر أيضا. ونستطيع التكهن بأن الأحزاب الثلاثة لن تبقى كلها كما هي الآن، فبينها من سيضطر إلى تغيير شكله وموقعه، في اطار صراعه للبقاء في الحلبة، أو قد يتبخر كغيره من الأحزاب، وحزب "كديما" مثال حي، وهو ليس وحيدا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات