أقرت الحكومة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة توصيات لجنة خاصة عينتها قبل عدة أشهر، لوضع ترتيبات لتغيير أنظمة التعيينات القائمة في الوزارات والمؤسسات الرسمية التابعة لها، بشكل يزيد من حجم التعيينات على أساس سياسي، بمعنى تعيينات مباشرة من الوزير المختص أو من الحكومة، وتقليص عمل ما يسمى بـ "لجنة البحث" عن مرشحين لعدد من أبرز الوظائف الكبرى، من بينها المستشار القانوني للحكومة.

وهذا مشروع نصّت عليه اتفاقيات الائتلاف الحكومي القائم منذ عامين، ولم يتم العمل به إلى ما قبل بضعة أشهر، بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكن من دون علاقة بانتخابه. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استغل الحديث عن نمط التعيينات في الإدارة الأميركية ومؤسسات الحكم العليا، طالبا أن تقترب إسرائيل إلى هذا النمط، بذريعة تعزيز حكم "من يختاره الشعب"، على حدّ قوله.

وبحسب النمط الأميركي، فإن آلاف الموظفين في مختلف المستويات، يعينهم الرئيس الأميركي أو طاقم حكومته، ولكنهم يغادرون جميعا مع انتهاء حكمهم وتولي آخرين. وتبرز هذه القضية بشكل خاص، حينما يتم استبدال أحد الحزبين، إذ يكون التغيير جارفا، كما جرى مع وصول ترامب الجمهوري خلفا لأوباما الديمقراطي.

وأقام نتنياهو لجنة مكونة من وزيرة العدل أييليت شاكيد ووزير السياحة ياريف ليفين، لتقديم توصيات للحكومة لإقرارها. ولم تكن اللجنة بحاجة إلى وقت كبير حتى تنجز مهمتها، لأن الهدف كان واضحا. وقبل اقل من شهرين وضعت اللجنة توصياتها الأولية، ومن أبرزها أنه سيكون باستطاعة الوزراء تعيين عدد أكبر من الموظفين بمن في ذلك نواب مديرين عامين. كما أنه ستطرأ تغييرات في شكل عمل لجنة التعيينات الكبرى في الجهاز الحكومي. ولكن كل هؤلاء الموظفين الجدد سيضطرون للمغادرة مع استبدال الوزير، وفي هذا ضرب للجهاز المهني الثابت، مقابل سطوة السياسيين على المؤسسات الرسمية.

وقد أثارت هذه التوصيات اعتراضات كبيرة لدى السلك المهني في الوزارات، وأيضا لدى سياسيين ومسؤولين سابقين في الوزارات. وقبل أيام صاغت اللجنة ذاتها توصيتها العينية الأولى، وهي أنه سيكون بوسع كل وزير في وزارته أكثر من 150 موظفا، أن يعين نائب مدير عام إضافيا بشكل مباشر مع طاقم موظفين. وكما ذكر، فإن نواب المديرين العامين هم من السلك المهني يصلون إلى وظائفهم بالترقية، أو بعطاءات رسمية، حسب الكفاءات المهنية ذات الشأن للوظيفة.

وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن هذا سيشمل 25 وزارة من أصل 30 وزارة قائمة، بينما سيصل عدد الموظفين ككل إلى 75 موظفا، سيكلفون الخزينة العامة 452 ألف دولار سنويا، إذ أن الحديث يجري عن نائب مدير عام اضافي، وليس مكان أي من الموظفين العاملين حاليا، إلا أن نائب المدير العام الجديد سيكون ضمن التعيينات السياسية، وخاضعا لأجندة الوزير السياسية.

يضاف إلى هذا أن اللجنة الوزارية ذاتها، وبالذات وزيرة العدل أييليت شاكيد، طلبت من رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، تقليص صلاحيات ما يسمى "لجنة البحث" عن أسماء مؤهلة لتولي مناصب، وتقليص عدد أعضاء اللجنة من خمسة إلى ثلاثة أشخاص، على أن يتم سحب بعض الوظائف من مسؤوليتها، وبشكل خاص المستشار القانوني للحكومة، ليكون تعيينا مباشرا من رئيس الوزراء وبمصادقة الحكومة.

وفي خلفية هذا الاقتراح عدة اعتراضات للمستشار القانوني للحكومة الحالي، أفيحاي مندلبليت، على قوانين وقرارات حكومية، ابرزها ما يسمى "قانون التسوية" لنهب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة. إلا أنه من المفارقة أن تعيين مندلبليت كان بضغط مباشر من نتنياهو، إذ كان مندلبليت سكرتير الحكومة، ويُعد مقربا من نتنياهو. وأثار تعيينه ضجة كبرى، خاصة وأن المستشار هو بمثابة المدعي العام الأعلى للنيابة، وبيده قرار تقديم لوائح اتهام ضد كبار المسؤولين، وبضمنهم رئيس الوزراء.

ويرى خبراء ومسؤولون سابقون أن القرارات الأخيرة هي بدء فعلي لتطبيق التوصيات الأوسع. ويقول مدير عام وزارة المالية الأسبق آفي بن بسات، وهو حاليا بروفسور في كلية الإدارة في الجامعة العبرية "إن التغييرات المخططة في تعيين نواب المديرين العامين في الوزارات والمؤسسات الرسمية العامة، ستؤدي إلى اهدار المال العام، إذ يجري الحديث عن وظائف زائدة، وعن انخفاض في مستوى الأداء الحكومي".

وتابع بن بسات قائلا "إن الادعاء بأن هذه خطوة من أجل تعزيز حكم منتخبي الجمهور، وتطبيق سياسة الوزير، لا أساس له، لأن الجهاز المهني القائم يعد مخططات وبرامج، ويعرضها على الوزير ليقرر بشأنها، وبحسب الحاجة فإن هذه المخططات قد تعرض على الحكومة أو حتى على الكنيست لاقرارها".

وقال المأمور السابق لسلك خدمات الدولة، شموئيل هولندر، إن حكومات سابقة حاولت الإقدام على خطوة كهذه، إلا أن المحكمة العليا رفضت القرار الصادر بشكل خاص إبان حكومة إسحاق رابين في سنوات التسعين الاولى. وقررت المحكمة العليا أنه لا يمكن تحويل منصب نائب مدير عام إلى "وظيفة ثقة"، ما يعني تعيينه مباشرة من الوزير من دون عطاء.