المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عاد إلى السطح في الأيام الأخيرة قانون الاعفاء الضريبي الإسرائيلي للأثرياء اليهود في العالم، الذي أقره الكنيست في العام 2003، وهو ساري المفعول حتى نهاية العام المقبل 2018، بادعاء أن هذا سيحفز "الهجرة اليهودية النوعية". إلا أن القانون جعل من إسرائيل دفيئة لمتهربي الضرائب، ما ورط إسرائيل وبنوكها بمطالبات وملاحقات قضائية. ولكن الجديد من الأيام الأخيرة، هو أن هذا القانون الذي اتضح أنه يخدم بضعة أفراد من الأثرياء وعائلاتهم، المستفيد الأبرز منه في هذه المرحلة هو الثري أرنون ميلتشين، المتورط بشبهة الفساد ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المعروفة بكنية "الملف ألف". ويشير تقرير جديد إلى أن نتنياهو يمنع في السنوات الأخيرة الغاء هذا القانون، ولذا هناك من يطالب الشرطة بالتحقيق في هذا الملف أيضا.

ويجري الحديث عن تعديل لقانون الضرائب تم اقراره، في العام 2003، بمبادرة وزير المالية في حينه، بنيامين نتنياهو؛ وكان ساريا لمدة خمس سنوات، ثم جرى تمديده في العام 2008 إلى عشر سنوات أخرى، ويمنح المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وحتى الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات وعادوا إلى إسرائيل، اعفاء من دفع الضرائب على كل نشاطهم الاقتصادي في الخارج لمدة عشر سنوات، حتى وإن كان الأمر متعلقا ببيع عقارات وأعمال في الخارج وما شابه. وهذا أحد الأنظمة التي سنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، بحثا عما يسمى "الهجرة النوعية"، بمعنى استقدام مهاجرين يهود من ذوي الامكانيات المالية والعلمية.

وأكدت سلسلة من التقارير الصحافية، وحتى شبه رسمية إسرائيلية صدرت بشكل دائم على مدى السنوات الماضية، أن إسرائيل باتت "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب" من يهود العالم، الذين يستفيدون من قانون الاعفاء الضريبي المذكور. وتأجج الجدل الإسرائيلي حول هذا القانون، الذي لا يستفيد منه سوى بعض الأفراد مع عائلاتهم، على ضوء تقارير ومطالبات دولية من إسرائيل بوقف العمل بهذا القانون، الذي يقف حاجزا أمام تبادل المعلومات المالية لمحاصرة متهربي الضرائب في العالم.
كما أن هذا القانون كان سببا في تورط بنوك إسرائيلية أمام السلطات الأميركية، إذ كان بنك ليئومي أول المتورطين، وجرى تغريمه بعشرات ملايين الدولارات، على خلفية فتح حسابات بنكية لأثرياء أميركان يهود، في فروع البنك في إسرائيل والخارج. ويخضع الآن البنك الإسرائيلي الأكبر "هبوعليم" هو أيضا لتحقيقات من جانب السلطات الأميركية. وقالت أنباء في الاسبوع الماضي، إن البنك اضطر إلى تعزيز طاقم المحامين لمواجهة هذه التحقيقات. وحسب التقديرات، فإن "هبوعليم" لن يكون بمقدوره الافلات من ذات العقوبة التي تعرض لها بنك "ليئومي".

ويقول المحلل الاقتصادي إيتان أفريئيل، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، إن أبرز المستفيدين من هذا القانون في السنوات الأخيرة، هو الثري أرنون ميلتشين، الذي هاجر في السنوات الأخيرة وحصل على الجنسية الإسرائيلية. وهو الشخصية المركزية في قضية الفساد، المعروفة بكنية "الملف ألف"، وهو يبرز في استثماراته في القطاع السينمائي الأميركي في هوليوود.

ما ينشر فقد زود ميلتشين عائلة نتنياهو على مدى سنوات بـ "هدايا" يقدر ثمنها التراكمي بمئات آلاف الشيكلات (معدل سعر صرف الدولار حاليا 7ر3 شيكل للدولار). ومن أبرز الهدايا، تموين دائم وثابت لنوع فاخر من الشمبانيا، سعر الزجاجة الواحدة 200 دولار، تحبها بشكل خاص سارة نتنياهو. وحسب التقارير فإن استهلاك هذه الشمبانيا لا يتوقف وكانت تهتم العائلة بضمان المخزون الدائم على حساب ميلتشين، الذي كان يتم الاتصال به إذ ما تأخرت "الهدايا".

أما بنيامين نتنياهو فيتلقى بشكل ثابت السيجار الفاخر وباهظ الثمن، من صنف "كوهيبا سيجالو 5"، وأيضا على حساب ميلتشين. وقال تقرير آخر إن سارة نتنياهو طلبت من ميلتشين في العام 2004، شراء مجوهرات لها بقيمة 8600 دولار. وتدعي عائلة نتنياهو أن الهدايا كانت متبادلة، إلا أن الصحافيين في تقاريرهم ينشرون هذا الادعاء بنوع من الاستخفاف.

وقالت المحللة الاقتصادية ميراف أرلوزوروف في مقال سابق إنه ليس واضحا ما الذي جنته إسرائيل من تعديل هذا القانون، وجعل نفسها ملجأ للمتهربين من دفع الضرائب، فهؤلاء الأثرياء لم ينقلوا مصالحهم ومشاريعهم الاقتصادية إلى إسرائيل، لأن نقلا كهذا سيلزمهم بدفع ضرائب، وبهذا فإسرائيل لم تربح من زيادة مداخيل، ولا من فتح أماكن عمل جديدة من استثمارات هؤلاء المالية، وهذا أمر سيستمر لكل واحد منهم عشر سنوات، في حين أن القانون لا يلزمهم بالبقاء في إسرائيل بعد تلك الفترة.

وهذا الاستنتاج تعزز أكثر لاحقا، كما ورد في تقرير "ذي ماركر" الأسبوع الماضي، إذ يتبين من معطيات إسرائيلية أن قانون الاعفاء الضريبي لم يؤد إلى جرف هجرة جديد لإسرائيل، وأن دافع من هاجروا في السنوات الأخيرة، منذ سن القانون، لم يكن التهرب من دفع الضرائب في أوطانهم. بل إن المستفيدين هم بعض الافراد من كبار الأثرياء، من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وبناء على تقارير سابقة، فإن هؤلاء الأثرياء لم يُثروا الاقتصاد الإسرائيلي بشكل خاص، سوى أنهم حافظوا على مصالحهم، مقابل أن تكون إسرائيل متهمة بأن قانونها يساهم في تبييض الأموال في العالم.

ولذا فإن عدة جهات رسمية إسرائيلية، ومن بينها وزارة الهجرة الاستيعاب، تطالب بإلغاء هذا القانون، أو تجميد العمل به. وهذا المطلب يظهر لدى طرح مشروع الموازنة العامة، في السنوات القليلة الماضية، ضمن ما يسمى قانون التسويات، وهو مجموعة قوانين واجراءات اقتصادية تطالب وزارة المالية بها من أجل ضمان تطبيق مشروع الموازنة العامة. ويقول المحلل إيتان أفريئيل إن "يداً خفيّة" تسحب هذا البند من قانون التسويات، أيضا الأخير الذي اقر مع موازنة العامين الجاري 2017 والمقبل 2018. ويشير إلى أن من وراء هذا يقف بنيامين نتنياهو. ولذا سيكون على الشرطة في اطار التحقيقات أن تفحص هذا الجانب أيضا.

ونشير إلى أنه في الأشهر الأخيرة، شرعت سلطة الضريبة الإسرائيلية باتصالات مع السلطات الأميركية لتبادل المعلومات بموجب اتفاق قائم بين الجانبين، لتبادل المعلومات حول الحسابات البنكية لمواطني دولة في البلد الآخر. وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن في الولايات المتحدة أكثر من 35 ألف حساب لحاملي الجنسية الإسرائيلية، في حين أن إسرائيل زودت السلطات الأميركية بمعلومات حول 70 ألف حساب لأميركان في البنوك والمؤسسات المالية الإسرائيلية. وحسب تقديرات إسرائيلية، فإن نجاح هذه العلاقة سيحتاج أيضا إلى وقف العمل بقانون الاعفاء الضريبي للأثرياء اليهود.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات