المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 2215
  • ميراف أرلوزوروف
  • برهوم جرايسي

منذ فترة لم نر بنيامين نتنياهو يُقدم على خطأ سياسي فظ إلى هذا الحد. ففي محاولة رئيس الوزراء مؤخرا تنفيذ تصفية (سياسية) لوزير المواصلات يسرائيل كاتس، واختلاق ذريعة لفصله، بسبب الخصام الحزبي بين الاثنين، نجح نتنياهو مجددا في فتح موضوع الوضع القائم، المتبع منذ عشرات السنين: شل دولة بأكملها. فبدلا من قطع رأس كاتس ووضعه على الرف، بعد نهاية أسبوع صاخب، وجعل 150 ألف شخص من دون شبكة قطارات، فإن من اهتز كان رأس رئيس الوزراء، الذي واجه غضبا جماهيريا، لم يكن له مثيل منذ سنين.

 

هناك الكثير من التفسيرات لكيفية إقدام نتنياهو على خطأ سياسي كبير إلى هذا الحد. فهناك من يعزون هذا إلى قلة التجربة لمدير مكتب نتنياهو الجديد، يوآف هوروفيتس، الذي من دون شك، ساهم في ارتكاب الأخطاء في ذلك الأسبوع. ولكن من يتحمل المسؤولية عن سلسلة الأخطاء، لشل عمل القطارات، هو أولا وقبل أي شخص رئيس الوزراء، الذي كان على استعداد للتضحية بمصلحة عامة، ولأن يتجاوز تقليدا عاما وحساسا فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، فقط من أجل توجيه ضربة إلى خصمه في الحزب، الوزير يسرائيل كاتس.

حقيقة أن نتنياهو نسي طريقة فحص الحقائق، بمعنى أنه لم يسع لفهم انعكاسات قرار هوروفيتس بمنع أعمال صيانة في شبكة القطارات في يوم السبت، باتت طابع ونهج عمل نتنياهو، الذي يُسخّر الأدوات لمصالحه، حتى وإن كان الثمن شل دولة بأكملها.

إن المشكلة الأساسية لدى نتنياهو تكمن في أنه يعمل انفراديا، كما لو أنه محتكر للسلطة. وهو يشعر اليوم بأن لا أحد يقدر على الانتصار عليه. ولهذا فإنه يجيز لنفسه اتخاذ قرارات منفلتة، باعتقاده أنه لن يدفع ثمنها، لأنه ليس له بديل في الساحة السياسية.

إن سلسلة القرارات التي اتخذها نتنياهو في الأشهر الأخيرة، يطغى عليها طابع القوة، مثل محاولته إلغاء الشركة الحكومية للبث العام، التي من المفترض أن تبدأ عملها قريبا، وقراره بنقل قسم التشغيل من وزارة الاقتصاد إلى وزارة الرفاه، التي يتولاها الوزير حاييم كاتس، في محاولة أخرى لمحاصرة صلاحيات وزير المواصلات يسرائيل كاتس، وهذا قرار مناقض لرأي المستوى المهني في قسم التشغيل. والآن يأتي قرار هدّام، لشل عمل شبكة القطارات، لا لشيء، فقط لأن هذا كان مزاجه، دون أن يأخذ بالحسبان النتائج المدمرة. وكل هذه القرارات قائمة على الخطيئة ذاتها، وهي الاعتقاد بأن ليس له بديل، ولهذا فهو ليس بحاجة لخدمة الجمهور أكثر، طالما أن الجمهور أسير لديه.

وهذه مرحلة خطيرة في أداء رئيس الوزراء، إذ باتت خدمة الجمهور ليست ماثلة أمام عينيه، لأنه يعتقد أن الجمهور موجود في جيبه، في كل الأحوال. وهذه أيضا مرحلة خطيرة في أداء حزب رئيس الوزراء الليكود، فالحزب أيضا يشعر بأنه واثق كليا من تمسكه بالسلطة، ولهذا فإنه ينفلت في نهجه.

ومن المجدي متابعة الهجوم العدواني المتزايد من وزراء حزب الليكود على كبار موظفي الدولة، بادعاء أن الحكم بأيديهم، وليس بأيدي الموظفين. والاجراءات القائمة لجعل تعيين نواب المدراء العامين في الوزارات قرارا بيد الوزراء (من دون نشر عطاءات رسمية، كونهم الجهاز المهني في الوزارة- الترجمة)، من شأنها أن تشكل مسّاً خطيرا بالجهاز المهني واستقلاليته. وحتى أنه في الآونة الأخيرة تم تقليص صلاحيات اللجان المكلفة بالبحث عن مهنيين خبراء للعمل في الوظائف الحساسة. وكل هذه مؤشرات إلى حزب يتملكه جنون العظمة، ويرى في الحكومة على أنها ملعب لمناوراته الحزبية.

ومن المجدي أيضا المتابعة بقلق استئناف نهج التعيينات على أساس حزبي في الجهاز الحكومي. فبعد عشر سنوات على قيام نتنياهو بتفكيك المجلس المركزي لحزب الليكود (في اعقاب انشقاق أريئيل شارون في نهاية 2005- الترجمة)، وبهذا أوقف سلسلة من نهج الفساد المتعلق بالتعيينات على أساس حزبي، فإننا نرى استئناف مثل هذه التعيينات، بموازاة تقليص صلاحيات لجان البحث عن الخبراء، ومعركة وزراء الليكود ضد المبادرة لتحسين اختيار أعضاء مجالس الشركات الحكومية. وهذا يتم في الوقت الذي تكشف فيه الشرطة عن قضايا فساد خطيرة في شركات حكومية، تتضمن اعتقال أشخاص بشبهات فساد خطيرة. إلا أن هذا لا يجعل وزراء الليكود يعيدون النظر بمواقفهم، ويصرون على نهج التعيينات اللا مهنية في الحكومة والشركات الحكومية.

إن جنون العظمة في الحزب الحاكم، ورئيس الحزب (نتنياهو)، وصل إلى حد تشكيل خطر على الديمقراطية. فجميل أن رئيس الوزراء يُنتخب بغالبية الأصوات، ولكن المشكلة تكون بعد انتخابه، إذ أنه يتوقف عن خدمة الجمهور، ويشرع في خدمة مصالحه. ومن الخطورة بمكان أن يسمح رئيس الوزراء لنفسه بالعمل بشكل مكشوف ضد المصلحة العامة، اعتقادا منه بأن المس بمصلحة الجمهور لن يمس باحتمالات اعادة انتخابه لاحقا. وهذا الأداء يكسر المبدأ الديمقراطي، القاضي بأن يخدم منتخب الجمهور المصلحة العامة، وإلا فإنه لن يعاد انتخابه مجددا.

إن بقاء 150 ألف شخص من دون شبكة قطارات (قبل أسبوعين) قد يكون ثمنا زهيدا لهذا الأداء. إذا لم يغير الاحتكار المسمى نتنياهو هذا النهج، فإن قواعد المنافسة الانتخابية ستسري عليه، ولكن طالما لم يشعر نتنياهو بأنه معرّض لمنافسة تشكل تحديا لمكانته، فإنه سيواصل التدهور في أدائه المتعلق بإدارة شؤون الدولة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات