المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عقد مؤتمر هرتسليا السنوي السابع عشر بين 20 و22 تموز الماضي، وتم خلاله طرح عدة أوراق موقف تتعلق بقضايا سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، كما تحدث في المؤتمر عدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين والأجانب.

وعقد المؤتمر المتخصص في "ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي" هذا العام تحت عنوان "ميزان الفرص، المخاطر والتحديات التي تواجهها إسرائيل بحلول العام السبعين لاستقلالها".

 

وافتتح المؤتمر رئيس "معهد السياسة والإستراتيجية" ورئيس سلسلة مؤتمرات هرتسليا، عاموس غلعاد، وهو رئيس الدائرة السياسية والأمنية السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وقال غلعاد، خلال استعراضه لـ"مؤشر تقييم هرتسليا"، إن "الوضع الأمني في إسرائيل هو أحد أفضل الأوضاع التي سادت في إسرائيل قياسا بالماضي، لكن هذا ليس وقتا مناسبا لاتخاذ قرارات حيال المستقبل... لقد توصلنا إلى علاقات رائعة وغير مسبوقة مع دول عربية. كان الوضع سيئا، لكن الرئيس (المصري عبد الفتاح) السيسي سيطر على الإخوان المسلمين. والأردن هي شبكة الأمان الشرقية بالنسبة لنا. فالحدود معها محمية وغير قابلة للتسلل وهذا رصيد هائل".

وتطرق غلعاد إلى السلطة الفلسطينية، وقال إنه "بالإمكان قول أمور كثيرة عن الفلسطينيين، لكن السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) تتعاون معنا، وهذا الأمر يمنع إراقة دماء. والتنسيق الأمني ينبع من مصلحة مشتركة، ويسمح بوجود أمن نسبي".

واعتبر غلعاد أن "أبو مازن لا يجهز أشخاصا لخلافته في المنصب. وإذا اعتزل اليوم أو بعد خمس سنوات، لن يكون هناك من يخلفه، وإذا لم ندخل إلى عملية سياسية فإننا قد ندخل إلى واقع من العنف. وعلينا أن ننفصل عنهم سياسيا وإلا فإننا سنغوص في مستنقع، وقد وصلنا إلى مفترق طرق".

وتحفظ غلعاد من الحديث في إسرائيل عن عملية سلام إقليمية تسبق استئناف مفاوضات إسرائيلية – فلسطينية، وقال إنه "يوجد توجه مفاده أن العرب سيفرضون على الفلسطينيين سلاما يكون مريحا لنا. أنا أرفض هذا التوجه، لأنه توجد في الدول العربية حساسية تجاه الشارع الفلسطيني. وهم لا يمكنهم، ولا يريدون برأيي، بيع الفلسطينيين. وهم لن يمارسوا ضغوطا على الفلسطينيين. وأبو مازن ضد الإرهاب ليس لأنه صهيوني وإنما لأنه يؤمن بأنه يلحق الضرر بهم".

ورأى غلعاد أن "التهديد الإيراني هو التهديد المركزي، وهو مؤلف من أيديولوجيا متطرفة ترفض وجود إسرائيل، وإصرار على تطوير سلاح نووي. والتحذير الإستراتيجي هو أنه كلما تقلص داعش، لن يحل مكانه كيان ديمقراطي، وإنما حلف آخذ بالتشكل من إيران وحزب الله والأسد وروسيا، التي اتخذت قرارا إستراتيجيا بدعم هذا الحلف. وليس بعيدا اليوم الذي ستُفتح فيه جبهة من حدود إيران بدعم روسي. وتعتزم إيران الاستمرار في مسار تعزيز قوتها وإسرائيل هي الهدف المركزي".

واعتبر غلعاد أن "الرئيس الأميركي قرر، بغريزته، دفع الموضوع الفلسطيني قدما ويقف على رأس كتلة عربية – سنية مقابل التهديد الإيراني. وتشكّل هذه الكتلة كلها بقيادة الولايات المتحدة هو واقع الحال الآن بالنسبة لنا. وإيران هي الدولة الوحيدة التي لديها القدرة لتشكل تهديدا وجوديا علينا، إذا طورت قدرات نووية. والطريقة الوحيدة للتأكد من أنهم لن يهاجموننا هي ألا يكون لديهم سلاح نووي. وإذا امتلكت دولة معادية سلاحا نوويا سيصبح ردعنا لاغيا. والسبب الوحيد لفوز (الرئيس الإيراني حسن) روحاني بالانتخابات ليس لأنه معتدل، وإنما لأن لديه مفهوما خطيرا، فهو يؤمن بأنه إذا لم يتم إنقاذ إيران اقتصاديا فإنها ستنهار قبل أن تنجح بتدمير إسرائيل. وتحسين وضع إيران الاقتصادي هو أمر سيء للغاية بالنسبة لإسرائيل".

"دولة فلسطينية ناقصة"

استعرض رئيس جهاز الشاباك السابق، يورام كوهين، رؤيته للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني واحتمال استئناف المفاوضات بين الجانبين، وقال إن "الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو أحد الصراعات المعقدة، لأنه ينطوي على عدة نواح، دينية وقومية وإقليمية وثقافية وعاطفية. ورؤية السلطة الفلسطينية قصيرة وواضحة: دولة فلسطينية بحدود العام 1967 وعاصمتها القدس. والرؤية الإسرائيلية للمكانة النهائية للمناطق التي تم تحريرها، أو احتلالها، قبل خمسين عاما في حرب الأيام الستة، لم تُحسم بعد".

وأضاف أنه "من وجهة نظري، التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية هو مصلحة قومية إسرائيلية"، لكنه اعتبر أنه "على ضوء الفروق الكبيرة بين مواقف الجانبين، خاصة في قضايا الحل الدائم، وعدم وجود استعداد لتقديم تنازلات كبيرة من جانب الفلسطينيين، وانعدام الثقة بين قيادة الجانبين وحقيقة أن السلطة، برأيي، غير قادرة على توفير رد أمني ملائم لتهديدات الإرهاب القائمة والناشئة، فإنني أرى صعوبة في إمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي في السنوات القريبة". وتابع كوهين أن الغاية الواقعية لاتفاق هي "دولة ناقصة" أو "دولة فلسطينية ذات سيادة وصلاحيات أمنية محدودة". وأضاف أن "الانطباع لدي هو أن القيادة الفلسطينية ستواجه صعوبة في تليين مواقفها بقواها الذاتية، ولذلك المطلوب هو دعم ملموس من جانب زعماء الدول العربية. وهذا التحدي يمثل أمام الإدارة الأميركية، بأن تشكل جبهة مشتركة مع قادة الدول العربية البارزة وممارسة ضغوط على القيادة الفلسطينية لكي تلين مواقفها حيال قضايا الحل الدائم".

من جانبه، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إنه "حتى عندما نصل إلى نهاية الصراع فإنه لن تُحل المشاكل بل على العكس. فنحن لن نوافق على (عودة) لاجئ واحد إلى حدود العام 1967. ويجب تغيير سلم الأولويات. والأمر الوحيد الممكن تنفيذه قبل اتفاق سياسي مع الفلسطينيين هو اتفاق إقليمي، وليس من تحت الطاولة وإنما فوق الطاولة. واطلعت على دراسة جاء فيها أن اتفاقا كهذا سيمنح إسرائيل دخلا إضافيا سنويا بمبلغ 45 مليار دولار. والسبب في أنه لم نتوصل إلى تسوية إقليمية حتى الآن هو أنه منذ العام 1967 لم ننتصر في أي حرب. وعندما لا يكون هناك انتصار فإنه لا يوجد أمن من جهة الجانب الآخر".

وعبر آخرون عن مواقف مختلفة، بل ومناقضة لموقف ليبرمان، خاصة فيما يتعلق بـ"السلام الإقليمي". وتحدث رئيس الموساد السابق، تامير باردو، والدبلوماسي الأميركي والقيادي في الحركة الصهيونية العالمية، دنيس روس، ورئيس الاستخبارات البريطانية (MI6)، جون سايروس، مطولا في ندوة خلال المؤتمر، حول السعودية واتفقوا على أن تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد كان متوقعا.

واتفق المتحدثون أيضا على أن دول الخليج العربية معنية بإقامة "علاقات إستراتيجية هادئة" مع إسرائيل، وليس علاقات معلنة وذلك إلى حين حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وقال روس إن "الجميع يدرك الواقع الجديد، لكن لا يمكنهم تحويله إلى علني قبل التعامل مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وأبو مازن ليس مستعدا لتقديم التنازلات السياسية لصالح اتفاق ولذلك فإن الظروف لاتفاق لم تنضج بعد".

من جانبه، قال باردو إن "التوصل إلى حل سياسي مع الفلسطينيين لن يحل كافة مشاكل الشرق الأوسط، لكنه سيحل معظم مشاكل دولة إسرائيل". واعتبر سايروس أن "الظروف لاتفاق إسرائيلي – فلسطيني هي الأسوأ منذ عدة عقود".

"اعتدنا على الفساد"!

وهاجم رئيس حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل)، يائير لبيد، في مداخلته في مؤتمر هرتسليا رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، واتهمه بأنه ليس لديه خطة لإدارة الدولة. وأضاف أن "التطرف ليس في الهامش اليوم، إنه موجود في الحكومة. هو جزء من الحكومة. هو اللغة التي تستخدمها الحكومة. هذا الخطاب الرهيب، وسلسلة الإهانات (التي يوجهها نتنياهو إلى اليسار والعرب) يوجد لهما هدف واحد فقط وهو إخفاء حقيقة أنه ليس لديهم خطة"، معتبرا أن "لدينا خطة". وأضاف أنه "لن تكون لدى نتنياهو خطة. وما لم يفعله خلال أربع ولايات برئاسة الحكومة لن يفعله أبدا".

وتابع لبيد أن "رئيس الحكومة يخضع لتحقيق يتواصل بلا نهاية. وسلطات تطبيق القانون تتصرف كما لو أن لديها وقتا لا ينتهي. لكن ليس لديهم وقت كهذا. فالدولة موجودة تحت سحابة. أعلنوا أنه لم يفعل شيئا، أو أعلنوا أنه ستقدم لائحة اتهام، وانهوا هذا الأمر. هناك مقربون من رئيس الحكومة حصلوا على ملايين من ’صفقة الغواصات’. وحتى أنه لا أحد ينفي ذلك، لكننا اعتدنا ذلك. والفساد يبدو لنا بأنه جزء من الحياة".

أوضاع الشرق الأوسط

قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، هرتسي هليفي، خلال مداخلته، إن إيران تغرق الشرق الأوسط بالسلاح الذي تزوده لمنظمات، وإنها زودت منظمات في سورية ولبنان واليمن بصواريخ من طراز "زلزال 3" التي "تهدد 20 دولة". وأضاف أن "إيران تعمل من أجل إقامة صناعة عسكرية في لبنان واليمن".

وأضاف هليفي أن "قوة إسرائيل تردع أعداءنا في جميع الجبهات. ولذلك فإن احتمال نشوب حرب يتم المبادرة إليها ضئيل. ورغم ذلك، فإن انعدام استقرار أساسي، ووجود عدد كبير من اللاعبين غير الدولتيين، يزيد من احتمالات سيناريوهات تدهور الأوضاع، التي لا يريد أحد تحققها. وعمليات بناء القوة، خصوصا في غزة ولبنان، تنقل قوة عسكرية غير مسبوقة إلى أيد غير مسؤولة. والتناقض هو أن أعداءنا الذين يسعون إلى أن يردعوا بذلك إسرائيل وإبعاد الحرب، قد يجلبون على أنفسهم التصعيد القادم".

ووجه هليفي تهديدات واضحة بقوله إنه "على ضوء خبراتنا وقدراتنا العسكرية، فإني لا أنصح حماس وحزب الله بشد الحبل. وأنصح كل من يسكن بالقرب من بنية تحتية عسكرية لحزب الله أو حماس أن يبتعد عن بيته فور بدء المواجهة".

وقال هليفي إن "إيران لم تتخل عن حلمها النووي وهي المقوض رقم واحد للاستقرار في المنطقة". وأضاف أن "لبنان هي دولة لديها شروط جيدة للازدهار وأخذتها إيران رهينة. وعلى العالم أن يجعل لبنان تختار الجانب الصحيح. وحزب الله ينتهك بشكل فظ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي (ويمنع وجودا عسكريا لحزب الله في جنوب لبنان). ونحن ندعو قوات الأمم المتحدة إلى تطبيق مسؤوليتها، وليس الحفاظ على السلم فقط وإنما إبعاد الحرب".

ووصف هليفي الوضع في سورية بأن "داعش يتقلص، والنظام يستقر، لكن القصة ما زالت بعيدة عن النهاية. والتسوية ممكنة من خلال اتفاق بين الدول العظمى فقط. وفي جميع الأحوال، ستستمر سورية في أن تكون تربة خصبة لانعدام الاستقرار، الإرهاب والتخلف لسنوات مقبلة، فيما المحور الشيعي سيستقر فيها لسنوات وينهب كنوزها".

بدوره، قال قائد سلاح الجو الإسرائيلي، أمير إيشل، إنه "نتيجة لما يحدث في سورية بالأساس، ولكن ليس فيها فقط، توجد أطراف كثيرة لديها مصلحة في كبح إمكانية نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله أو جهات أخرى. وهذه فرصة بالنسبة لنا، لأنها تمنحنا الوقت من أجل زيادة قوتنا. وإذا نشبت حرب في الجبهة الشمالية، فإنه سيتعين علينا أن نعمل بكل قوتنا منذ البداية. وقد طوّرنا قدراتنا. وما فعلناه خلال 34 يوما في حرب لبنان الثانية، نعرف كيف نفعله اليوم خلال 48 ساعة فقط".

وأشار إيشل إلى أن "حجم مبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة وفي السنوات المقبلة يصل إلى حوالي 200 مليار دولار، ومعظمه في مجال سلاح الجو. وبإمكان هذه السلاح أن يضرب إسرائيل وقسم منه يلحق الضرر بقدرة سلاحها الجوي ويضر بتفوقه... واستعداداتنا للحرب لا تنحصر في الجبهة الشمالية فقط، وإنما علينا أن نكون مستعدين في جميع الجبهات".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات